مركز الحكمة للحوار والتعاون ومؤسسات أخرى تعقد ملتقى حواري في إسطنبول
20-21/8/2015
عقد مركز الحكمة للحوار والتعاون ومعهد بحث السلام في العاصمة النرويجية أوسلو ومركز الدراسات الإسلامية والشرق الاوسط في الولايات المتحدة ملتقىً حوارياً دامت أعماله مدة يومين في مدينة اسطنبول التركية والذي تركزّت أعماله على بيان واقع ما يتعرض له الشعب العراقي وبحث الأُطُر المشتركة لأطيافه في إيجاد الحلول العملية للخروج من الأزمة التي تلمّ بالبلاد.
وقال سماحة العلّامة السيد صالح الحكيم رئيس مركز الحكمة للحوار والتعاون: ”بعد جهود مُضنية وتنسيق مشترك بين معهد بحث السلام في اوسلو PRIO ومركز الدراسات الإسلامية والشرق الاوسط CISME في الولايات المتحدة ومركزنا تمّ عقد ملتقى حواري يهدف إلى دعوة ممثلين عن أطياف الشعب العراقي من مختلف الأديان والعرقيّات والقوميّات ودعوة شخصيات دينية وأكاديمية وحكومية من الولايات المتحدة وسويسرا والنرويج للوقوف على حلول عملية تهدف إلى إيجاد حلول واقعيّة للأزمة التي تعصف بالبلاد من خطر الفكر التكفيري والإرهاب”.
وأضاف الحكيم: ”شارك في هذا الملتقى من الجانب العراقي العلّامة السيد محمد علي الحلو مدير مركز ومكتبة الصادق العلميّة والبروفسور عبد الرزاق العيسى مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والدكتور الشيخ محمود جراد العيساوي إمام وخطيب الحضرة القادرية الكُيلانية ومستشار رئيس الجمهوريّة في الشؤون الدينيّة والدكتور عبد الله الويسي رئيس اتحاد علماء إقليم كردستان وعضوا مجلس النواب السيدة ليلى الخفاجي والسيدة فيان دخيل والسيد حسن الجراح ممثل عن مؤسسة اليتيم الخيرية، ومن الجانب الغربي حضر الدكتور أحمد الإيرواني رئيس مركز الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط في الولايات المتحدة ونيافة الكاردينال ثيودور إي ماكاريك من الولايات المتحدة والسيد جيمس ماكديرموت عضو الكونغرس الأمريكي والسيد فرانسيس بيكاند مستشار وزارة الخارجية السويسرية وممثلو معهد بحث السلام في أوسلو PRIO كلّ من السيد كريستيان بيرغ هاربفيكين والسيدة انغيبورغ هافاردسون والسيد تروند باكيفيك والسيد غريغ رايخبيرغ والسيد سفير جون كفالا السفير والمستشار الاقدم في وزارة الخارجية النرويجية والقس دين كاري من واشنطن“.
وقد جاء في كلمة سماحته بعد أن تقدم بالشكر للحضور والمؤسسات القائمة وجهودهم المبذولة ما يأتي:
“إني أؤمن أن هؤلاء الرجال يسعون لخدمة الإنسان وبذلك يكونون أقرب للربّ، باسم سماحة المرجع الكبير السيد محمد سعيد الحكيم الذي يرعى مسيرة الحوار في النجف الأشرف أقدم شكر سماحته ودعاءه للمؤسّستين.
وإني على ثقة أن الشعب العراقي يقيم هذه الخطوات، والشكر موصول لجناب الكاردينال الذي أعتقد أن وجوده يركز في اللقاء، والأخوة الذين قدموا من أمريكا والعراق، والذين لم يستطيعوا المجيء إلى هنا بسبب الظروف الصعبة في العراق، الكاردينال ساكو والأب جان والأب افاك والشيخ ستار الصابئي.
الذي يمر به الشعب العراقي من انتهاكات واعتداءات على يد مجموعة لا تعترف بالإنسان ولا تنتمي إلى دين وإنما هي تستغل كلمة الله باسم الدين، وهذا الخطر الذي نتعرّض له يومياً ونعتقد أنه أخطر من القنبلة الذرية، ليس خطراً على المجتمع العراقي وحده، وإنما هي مشكلة عالمية، وعلى العالم أجمع، فعلى محبي الإنسان والسلام أن يقفوا بشكل قويّ وصامد بوجه هذا التطرف والإرهاب الذي هو ضدّ الإنسان.
لقد تعرضنا في العراق باسم الاشتراكية على يد حزب البعث الذي لم يترك بيت من بيوت العراقيين إلا وعبث به، وبعد تغيّر النظام لازال يعاني وينزف الدماء يومياً، من نساء وأطفال وشيوخ بالسيارات المفخخة وشتّى أنواع التعذيب، مُدننا تتعرض للتفجير بالسيارات المفخخة، بلغ المعدل في السنوات السابقة 12 سيارة يومياً فإذا علمنا أن كلّ سيارة تُقدّر بستمائة ألف دولار كما صرّح الزرقاوي، نعلم ما يملكه الإرهاب من مال وسند، والآن يملك ثلث مساحة العراق أو أكثر، وإمكاناته أكبر على يد الجيل الجديد المسمى بداعش المركب من القاعدة والبعثيين، وإن العراق قد اُبتلِيَ بقادةٍ وحكّام لا يُحسنون إلا الفساد للشعب.
ونحن كرجال دين ورؤساء طوائف نعمل على خدمة شعبنا الذي يصرُّ على الحياة ونأمل من أصدقائنا أن يقفوا معنا.
أشكركم لإتاحة هذه الفرصة وأملي أن يكون هذا اللقاء مفيداً في تبادل وجهات النظر والتفكير في ما نستطيع أن نُقدّمه لأفراد هذا الشعب والقضية العادلة.
وذكرت النائبة ليلى الخفاجي: ”إن الأطراف العراقية في هذا الملتقى وضعت أيديها على جروح الشعب العراقي وطرحت كلّ المشاكل الأساسية التي تهدد النسيج الاجتماعي في العراق وخصوصاً مشكلة الفكر التكفيري الدّخيل الذي تمارسه عصابات داعش في المناطق التي سيطرت عليها”.
من جانبه أبدى الأب آفاك اسادوريان رئيس طائفة الأرمن الأرثوذكس في العراق، في كلمة أُلقيَت بالنيابة عنه، مخاوفه من تعرّض المكوّن المسيحي الأصيل في العراق إلى خطر انعدام وجودهم بسبب الإجلاء القسري لهم، وطالب المجتمع الدولي في إعادة بناء البنى التحتيّة للمؤسسات الكنسيّة في العراق من ضمنها المدارس والمستشفيات، وإلى إيجاد مشاريع عمل صغيرة تُمكّن النازحين العائدين إلى الاعتماد على أنفسهم كي ينهضوا بأنفسهم مجدداً.
وشاركت مؤسسة اليتيم الخيرية التي يرعاها مكتب المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم مدّ ظله بعرض الفلم الوثائقي (جريمة العصر) المترجم للغة الإنكليزية الذي يسرد مأساة المُهجّرين والنازحين قسراً من شيعة اهل البيت عليهم السلام، وجرائم داعش بعد أحداث سقوط مدينة الموصل في العاشر من حزيران عام 2014.
وطالب الشيخ محمود جراد العيساوي من الجهات المُنظمة لهذا الملتقى من الجانب العراقي والأمريكي والنرويجي إلى عقد ملتقىً آخر يكون متمماً لهذا الملتقى، يقام في العراق ليخرج بنتائج وتطبيقات عمليّة لحلّ مشاكل العراق المتعلّقة بالدين والطائفة والقومية.
وذكر الدكتور أحمد الجراح المدير التنفيذي لمركز الحكمة للحوار والتعاون أن هذا الملتقى خرج بعدّة نتائج: أولها بيان مظلومية شيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق واستهدافهم بصورة مُمنهجة في السنوات الأخيرة إضافة إلى استهداف المُكوّنات الأخرى في المجتمع العراقي، وثانيها التأكيد على أن الفكر الوسطي الذي تعتمده مدرسة النجف العلمية يركّز على أن الحلّ الأمثل لمشاكل التعصّب الديني والتطرّف الفكري يكون عبر التعايش السلمي بين مكونات المجتمع، وحفظ واحترام حقوق الجميع، وثالثها تحميل المجتمعات الغربية مسؤولية التصدي لفكر وقوى الإرهاب عبر تشكليها لجان تحقيقية لمتابعة منابع الدعم والجهات التي تقف وراءه .
وقد جاء في كلمة له حول دور المرجعيّة الدينيّة في العراق بعد عام 2003 ما يأتي :
بعد الشكر أتحدث عن أدوار المرجعيّة الدينيّة في العراق، منها رعاية نسيج المجتمع العراقي وعملية بناء الدولة الحديثة، أتحدث عمّا يخصنا هنا وقبل ذكر نماذج من دور المرجعيّة ينبغي الحديث موجزاً عن تعريف المرجعيّة الدينيّة، وهي منصب ديني يرجع إليه الناس لمعرفة الأحكام الشرعية والحوادث المستجدة، ويعتقد الشيعة أن المرجعيّة مُثبتة بالدليل الشرعي، أما في من يتصدى لها فقد تُرك المجال لكلّ من تنطبق عليه شروط عدّة أهمها الأعلميّة والتقوى، وبهذا يتصدى لمنصب المرجعيّة في كل مرحلة مجموعة من العلماء، ويبقى لكلّ واحد منهم اجتهاده وطريقته في التصدي، وينفرد من بينهم أيضاً مرجع يُسمّى المرجع الأعلى الذي تناط به المسؤوليات الكبرى كرعاية الناس والعلم وغيرها.
تُمثّل مرجعيّة النجف الأشرف المرجعيّة الأولى في المجتمع الشيعي، لذلك يمتدّ مقلّدوها في بقاع مختلفة من العالم، ويرجعون إليها في استيضاح مُستجدّات المسائل الشرعية، ويتواصلون معها من خلال حلقة الوكلاء الذين ينوبون عنها في المناطق التي يتواجدون فيها أتباعهم.
وأبرز ما تتميز به المرجعيّة الدينيّة هو العمق العلمي والزهد في الدنيا والحكمة، وهذا ما جعل المجتمع يرتبط ارتباطاً قوياً بها، ويستجيب سريعاً لما يصدر عنها، ويؤكد تاريخ المرجعيّة الدينيّة على أنها ومع الظروف القاسية التي مرّت بها بقيت صامدة تواصل نشاطها وارتباطها، فقد لعبت دوراً مهماً ليس على مستوى الشيعة فقط، بل على مستوى المسلمين وفي مدن مختلفة، وهنا سأذكر نماذج من دور المرجعيّة الدينيّة في تاريخ العراق الحالي نستعرض منها ثلاثة أمور:
أولاً: الحثّ على التعايش
الاهتمام بالتعايش لا يمكن قراءته بمعزل عن الظروف التي مرّت بها المرجعيّة لاسيّما في الحقبة التي حكم بها المجرم صدام حسين إذ مارس تجاهها شتّى صنوف القتل والتهجير والتعذيب والسجن وغيرها، مما أعطى صورة بشعة من صور الدكتاتور، إذ تسلّم الأقليّة جميع مناصب الدولة، في جميع محافظات العراق مما عاشت الأكثرية التهميش بكل معانيه.
وبعد أن حدث التغيير عام 2003م، وأفرزت العمليّة الديمقراطية نتائج تفرض بتصدي الشيعة لمنصب رئاسة الوزراء، بقي الشيعة مستهدفين بشكل يوميّ، وانتهى هذا الاستهداف أخيراً بهجوم داعش 6/10/2014م على الشيعة أولاً في المناطق الشمالية معلنين هدفهم وراء ذلك هو النجف الأشرف وكربلاء المقدسة.
وكما قال أبو محمد العدناني أحد أبرز قيادات تنظيم “داعش” والمُتحدّث باسمه في كلمة نُشرت على مواقع تُعنى بأخبار الإرهابيين: “واصلوا زحفكم فإنه ما حمي الوطيس بعد، فلن يحمى إلا في بغداد وكربلاء، فتحزموا وتجهزوا”. وتابع موجهاً الكلمة لرئيس الوزراء: “حقاً إنّ بيننا تصفية للحساب، حساب ثقيل طويل، ولكن تصفية الحساب لن تكون في سامراء أو بغداد، وانما في كربلاء المُنجسّة والنجف الأشرك وانتظروا إنا معكم منتظرون”. وغيرها من البيانات التي نصّت على هذا المعنى..
وعَوْداً على التغيير بعد عام 2003م، وهذا مما فرض على المرجعيّة الدينيّة مسؤوليات كبيرة منها مراقبة العملية السياسية و العمل على رعاية النسيج العراقي، وهذا ما تطلّب توازناً كبيراً في النظر إلى ذلك، إذ أن المسؤولية تحوّلت إلى قضية قلق من ردود الفعل الانتقامية، والحذر من استغلال صمت وصبر الأكثرية، فتحمّلت المرجعيّة ثقل المسؤولية وبدأت بتوجيه التوصيات المستمرة لرعاية العملية الديمقراطية التي ترعى جميع المكونات، بدءاً من إقامة دولة مدنيّة تُحفظ فيها الحقوق من خلال الصندوق الانتخابي إلى عملية المحافظة على القرار المشترك وعدم تهميش أحد.
وعندما سُئل سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني عن شكل نظام الحكم أجاب: (النظام الذي يعتمد مبدأ الشورى والتعدّدية واحترام حقوق جميع المواطنين)، وأجاب في مورد آخر: (شكل العراق الجديد يُحدّده الشعب العراقي بجميع قوميّاته ومذاهبه، وآلية ذلك هي الانتخابات الحرّة المباشرة) النصوص الصادرة عن مكتب السيد السيستاني، حامد الخفاف، 301- 302)
ثانياً: حفظ دماء العراقيين
أولويّة عملت عليها المرجعيّة الدينيّة، وقد تتبع العراقيون والمراقبون أحداثاً عصفت بالعراق بدأت من عملية احتلاله ودخول القوات الأجنبية إلى يوم ما رافقه من تشكيل الحكومة المؤقتة وإعداد الدستور إلى ممارسة الضغط على الجماهير لمنع الفتن الطائفية لاسيّما بعد تفجير مرقد العسكريين في سامراء، يؤكد على الحرص الشديد لدماء أبناء العراق ومحاولة الابتعاد عمّا يؤدي إلى إراقة قطرة دم واحدة.
وقد وجّه المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم رسالة إلى الشعب العراقي عام 2003م جاء فيها: (العراق ككثير من البلاد ـ قد جمع طوائف مختلفة في الدين والمذهب والقوميات وغير ذلك من الانتماءات، وهذا أمر واقع فرض نفسه علينا يجب الاعتراف به، والتعايش معه بالحكمة وحسن التصرف، بنحو يجنب الجميع المشاكل والمضاعفات الخطيرة التي تفرزها الخلافات والمشاحنات.
ومهما بلغ الخلاف بين الفئات والطوائف المذكورة شدّةً وحدّة فليس من الحكمة إلغاء بعضها لبعض وتجاهلها، والتعدّي عليها وهضم حقها، لأن ذلك يؤدي إلى:
(أولا): ظلم للحقيقة.
(ثانيا): سبب لتعصّب الطرف الذي يُتَجاهل ـ مهما كان ضعيفاً ـ لواقعه، وتمسّكه به، والاستجابة لدعوات التطرُّف، بنحو يزيد من شقّة الخلاف، ويمنع من فرص التلاقي والتقارب والحوار.
(ثالثاً): يؤدّي إلى تأجج العواطف، واستحكام العداء والحقد، بنحو قد ينفجر إلى صراع دموي، وفتنة عارمة تضر بالجميع، وتدمّر البلد وتفتت وحدته.
(رابعاً): يكون ثغرة ينفذ منها الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر، والنفعيون الذين يعيشون في المستنقعات، ويتصيّدون في الماء العكر، وكفى بتجربة الماضي القريب وما جرت على هذا البلد من مآس ودمار عبرة يستفيد منها أهله في تنظيم أمورهم وتصحيح أوضاعهم.
بل اللازم على أهل البلد الواحد الاعتراف بواقعهم الذي يعيشونه، والتكيّف معه بالاحترام المتبادل بين الجميع، وحسن المخالطة والمعاشرة، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، ومراعاة شعوره، وتجنّب الاحتكاك المثير للعواطف، والجارح للشعور. (رسالة سماحة المرجع إلى الشعب العراقي العزيز 10)
وقد أصدر سماحة السيد السيستاني بياناً بعد حادثة تفجير سامراء ما نصّه: “لقد أراد المجرمون التكفيريّون الذين ارتكبوا ذلك الاعتداء الآثم أن يجعلوا منه منطلقاً لفتنة طائفيّة شاملة في العراق، ظناً منهم أنها تقرّبهم من تحقيق أهدافهم الخبيثة في هذا البلد العزيز، وذلك بعد أن عجزوا عن إشعال نار الفتنة فيه لأزيَدَ من عامين منذ بدء الاحتلال، بالرغم من كلّ ما ارتكبوه من مجازر وحشيّة في مختلف الأماكن ولاسيّما في المدن المقدّسة النجف وكربلاء والكاظمية…، إلى أن يصل: “وكما ندعو المؤمنين وهم يحيون هذه المناسبة الحزينة ويُعبّرون عن مشاعرهم الجيّاشة تجاه ما تعرّض له أئمتهم من هتك واعتداء أن يراعوا أقصى درجات الانضباط ولا يَبدُرَ منهم قول أو فعل يسيء إلى المواطنين من إخواننا أهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يرضون بها ابداً”. ( النصوص الصادرة، 172)
ثالثاً: المطالبة بالإصلاحات والالتزام بالقانون
لم تكتف المرجعيّة بمراقبة أداء الحكومات، وإنما كانت هناك توجيهات مستمرة لتصحيح مسيرة الأداء الحكومي، وقد لوحظ وبشكل مُلفت للنظر أن المرجعيّة الدينيّة قد أغلقت الباب بوجه السياسيين ورفضت استقبالهم احتجاجاً على عدم الإجابة للمطالب التصحيحيّة لمسيرة الحكومة، وقد أكد سماحة السيد السيستاني مراراً على سوء استغلال السلطة وعلى ضرورة مكافحة الفساد وشدّد على لزوم تمكين القضاء من ممارسة دوره في محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم. (النصوص الصادرة، 273)
وأخرها توجيه سماحته لرئيس الوزراء العراقي بتحمل المسؤولية للقيام بالإصلاحات الضرورية في الحكومة العراقية وتصحيح النظام القضائي.
يمكن النظر إلى مجموعة من الفرص التي يمكن أن تسهم في وضع الحلول لمعالجة وضع العراق الحالي، وهذه النقاط التي ينبغي على المنظمات الدوليّة النظر بها بشكل جدّي ومنها:
- العمل على توحيد الرؤى باتجاه دعم الحكومة العراقية لتستطيع محاربة قوى الإرهاب في العراق ومتابعة تنفيذ الإصلاحات لتنهض بالبلد من الواقع المتردّي إلى الأحسن.
- الأخذ بعين الاعتبار بتوجيهات المرجعيّة الدينيّة والاستماع لمطالب الجماهير.
- إن الإرهاب لا يمثل الإسلام.
- لا بدّ من تشكيل اللجان التحقيقية الدولية لمتابعة الجرائم من قبيل البحث عن هوية المجاميع الإرهابية ومتابعة مصادر التمويل.
- تُعدّ تجربة منظمات المجتمع المدني في العراق تجربة حديثة أنشأت بعد عام 2003م وهي مع ما قدمته من أداء جيّد لكنها لازالت بحاجة إلى الدعم والتطوير والتدريب.
يشار إلى أن مركز الحكمة للحوار والتعاون يهدف إلى الانفتاح على الثقافات والفكر الآخر ومدّ جسور التواصل بين النجف الأشرف والعالم.
مركز الحكمة يشارك في مؤتمر باريس الدولي ويؤكد على ظلامة الشيعة في العالم
شارك رئيس مركز الحكمة للحوار والتعاون سماحة العلامة السيد صالح الحكيم في مؤتمر باريس الدولي المنعقد بتاريخ 8/9/2015، حول ضحايا العنف العرقي والديني والذي عُقد بالمركز الوزاري للمؤتمرات، بمشاركة ممثلي 60 دولة و15 منظمة دولية لوضع خارطة طريق تتضمن مقترحات للتحرك على المستوى الإنساني والقضائي والسياسي إزاء الضحايا بالشرق الأوسط.
وقد تضمّنت كلمة السيد الحكيم مجموعة من المحاور جاء فيها:
1- المسلمون الشيعة هم المستهدفون بالدرجة الأولى للعصابات الإرهابية في مناطق متعددة في العالم فضلاً عن العراق الذي تُشكّل فيه الأعمال الإرهابية التي تستهدف السكان الشيعة قرابة 90% من مُجمل الأعمال الإرهابية, جاء ذلك بعد أن صدرت فتاوى باسم الدين تكفر الشيعة وتبيح قتل حتى أطفالهم ونسائهم، ومع الأسف لم نسمع دفاعاً أو ذكراً لهذه الظلامات في المحافل الدولية ممّا يشكّل علامة استفهام عند الملايين من الشيعة في مختلف أنحاء العالم يوحي لهم وكأن دماء الشيعة وضحاياهم لا تشكّل رقماً يستحقّ الاهتمام به وعند البعض سكوت العالم يُفسّر أنه دعم للإرهاب.
2- الاكتفاء بتبرئة الدين الإسلامي الحنيف من تهمة الإرهاب لا يشكّل حلاً للكارثة التي حلت بالبشريّة نتيجة الأعمال الإرهابية التي تحمل اسم الدين الإسلامي، على علماء المسلمين ان يعترفوا بوجود مجموعة شاذّة داخل الكيان الإسلامي تستند إلى آراء فقهاء ومفكرين منحرفين ومتطرفين, يُكفّرون مَن يختلف معهم في الدين أو المذهب, وعلى علماء الأمة الإسلامية معالجة هذا الخلل والانحراف الذي هو في واقعهِ بعيد عن روح الإسلام ومبادئه الإنسانية, وعلى حكومات الدول الإسلامية مراقبة مناهج التعليم في المدارس والمساجد وتهذيبها من الأفكار التكفيريّة والاقصائية واعتماد الحوار كأساس للتعايش.
3- الاستغلال السيء للدين الذي يلتقي بمصالح سياسية شيطانية، هما العمودان المقومان للإرهاب، ولا سبيل للحلول الجذريّة إلا بمعالجات فكرية رصينة، وقطع المنابع الداعمة للإرهاب، وتفعيل الاجراءات القضائية الدولية لملاحقة الإرهابيين والمجرمين الداعمين لهم.
فيما يذكر أن المؤتمر اختتم أعماله بالتأكيد على الأمور الآتية: على ضرورة أن يوليَ المجتمع الدولي والدول المعنيّة أهمية كبيرة للهدف المُتمثل في تيسير عودة اللاجئين والنازحين، وعزم المشاركون على زيادة الدعم للسكان المتضرّرين، والمجتمعات والبلدان التي تستضيفهم، ليتسنى لهم العيش بكرامة مع الحفاظ على هويّتهم. ودعم السلطات الوطنيّة والحكومات المحليّة والمجتمعات المضيفة للاجئين والنازحين من خلال إعداد البرامج الكفيلة بتخفيف العبء المُلقى عليها وزيادة قدراتها، إلى جانب تحسين الانتفاع بالخدمات الصحية والتعليم، بالإضافة إلى العناية بضحايا العنف، عبر أنشطة المتابعة النفسية والطبية الاجتماعية، وأهمية ترميم البُن
ى التحتيّة والمرافق العامّة ولا سيّما المستشفيات والمدارس، من أجل تشجيع إعادة اندماج الجماعات المعنية، إلى جانب
تنفيذ برامج التنميّة الاقتصاديّة والاجتماعية في مناطق عودة السكان وكذلك تحسين مراعاة الأشخاص الأكثر تعرّضا للخطر، ولا سيّما النساء والأطفال، فضلا عن إيلاء عناية فائقة لشروط استرداد الممتلكات العقارية التابعة للنازحين.
مركز الحكمة يشارك في مؤتمر إيطاليا ويدعو إلى ثقافة التسامح وحرية الفكر
بدعوة من رئيس اللجنة الوزارية لحقوق الإنسان في وزارة الخارجية والتعاون العالمي في روما شارك رئيس مركز الحكمة للحوار والتعاون سماحة العلامة السيد صالح الحكيم في مؤتمر حول حرية الضمير والفكر والدين بتاريخ 18-19/9/2015.
وقد شارك سماحته ضمن 30 شخصية من دول مختلفة مثّلت منظمات ومؤسسات فكرية وأكاديمية وإنسانية.
وقد تحدث السيد العلامة في المحور الاول ( حرية الفكر والدين والتعبير ) بمسألتين:
الأولى حول حرية الفكر وقد جاء فيها:
حرية الفكر هي السبيل الأمثل للوصول إلى الحقيقة والإنسان بفطرته يمتلك فكراً جوالاً حراً يرفض القيود، والخلل الذي يفسد الفطرة حين يُغذّى الإنسان بأفكار تخالف طبعه، بعملية غسيل المخ التي هي نتاج عمليّة تربويّة ترويضيّة تقود إلى التحجر ورفض الاخر، فيبدأ برؤية الأشياء على غير حقيقتها.
أما الكوابح الثقافية التي تقف ضدّ تحجير الفكر هي:
1- الرابطة الإنسانية: إشاعة فكرة الأمة الإنسانية، وأن رابطة الإنسانية هي الاقوى، وكل تمييز في الانتماء البشري هو وهمٌ (كلّكم لآدم وآدم من تراب)، ولا فرق بين جرح إنساني وجرح إنساني آخر، وفي هذه النقطة يلعب رجال الدين دوراً أكبر.
2- المصير المشترك: وهو يفرض علينا التعايش السلمي وقبول الآخر، روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله أنّه قَالَ: “مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعاً).
3- الحوار: فلا سبيل إلى العيش المشترك إلا بالحوار، وقبول التنوع، فيقول القرآن (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) القران الكريم، ويقول الإمام علي (ع): (الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق)، وإننا مهما بلغنا من العلم فهو محدود وبحاجة للآخر (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) القران الكريم.
4- البحث عن الحقيقة: فإشاعة روح البحث عن الحقيقة، وكأن الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان هي ضالته المفقودة التي يبحث عنها، (الحكمة ضالة المؤمن).
5- ترك التعصب الديني: نحتاج إلى حمل روح الأديان، فكل الأديان ترى أن العبودية لله (المطلق) غير المحدود، تحرر الإنسان من عبوديّة الذات أو عبوديّة غير الله التي هي في واقعها تشكل قيد لحريّة الفكر، وإن الخطر في الدين هو أن تتحول العبودية لرجال الدين وهذه طامّة كبرى.
أما المسألة الثانية في المحور الأول جاءت بعنوان “الوضع في الشرق الاوسط” إذ أشار سماحته إلى الوضع بمجموعة من النقاط وهي:
- النظام الدكتاتوري في منطقتنا أحد أهم العوامل التي منعت الحريات، وهيأت الأرضية المناسبة لنمو التطرف، وقتل روح المواطنة، لأن الشعب يعتبر الوطن ملك للدكتاتور، وقتل روح التعاون ومساعدة الآخر يمنع التعدديّة الثقافية وتحجيم الحريات العامة.
- استغلال الروح الدينيّة لاسيما وأن الشعوب تحترم القيم الدينيّة وخصوصاً في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وساعد على ذلك الفقر والعوز والكبت، وانعدام الحريات في بعض البلدان كمصر وتونس وباكستان.
- الدعم غير المدروس للدكتاتوريات المتبنيّة والداعمة للتطرف والإرهاب، والإبادة الجماعية من أجل إيجاد عدو جديد بعد الشيوعية وهو الإسلام، ونجحت أول تجربة دعموها في الجزائر لصناعة كتل بشرية لا تعرف إلا الحقد والكراهية ولا تتقن إلا القتل، نحن كبشر نعاني من كارثة.
أما بعض المعالجات التي قد تنفع في تخفيف آثار هذا المرض القاتل هي:
- إبعاد الدين عن الاستغلال السياسي.
- دعم الحوار الإنساني لتعزيز التعايش البشري، وبالخصوص في البلدان التي ينتشر فيها التطرف.
- دعم ثقافة المشتركات الإنسانية والمصير الواحد للبشر.
- تطهير المناهج الدراسية من ثقافة التطهير العنصري والديني السائدة في بعض البلدان.
- قطع منابع الإرهاب الفكرية واللوجستية.
وفي المحور الثاني (اتجاهات الحوار الديني الحقيقي الشامل و التطبيقات الناجحة لنشر ودعم ثقافة التسامح)
تحدث سماحة السيد صالح الحكيم حول الحوار الديني إذ قال في كلمته: الحوار الديني: يعني حوار رجالات الدين حول الجوانب العقائدية من أجل الوصول إلى مشتركات تحجم الخلافات الفكرية الدينيّة، ونحن نعتقد أن أهمية هذا النوع من الحوار أقل بكثير من الحوار الإنساني العام.
الحوار المنتج هو حوار الإنسانية المدني الذي يشمل رجال الدين وغيرهم بعنوانهم أعضاء في الأسرة الإنسانية، وهنا تدخل الثقافة الدينيّة والتجارب الإنسانية للتفاعل من أجل تجذير المشتركات الفكرية، والحوار الناجح المنتج هو الحوار النابع من القناعة والإيمان، حيث تجد تلك المجاميع البشرية نفسها ومستقبلها في التقارب مع الآخر، والحاجة بتداخل مصالحها ووحدة المخاطر التي تواجهها، اليوم العالم على معسكرين، الذين يؤمنون بالحرية للجميع، ومعسكر يؤمن بالكراهية والإقصاء والتكفير والعنصرية، ويمكن أن يقال أن أصحاب الكراهية هم أقلية، نعم ولكن مجنون واحد يستطيع أن يعطل مئات من الناس.
خطر الإرهاب حقيقي ويهدد الجميع، نحتاج إلى التقارب لتشكيل جبهة أقوى مقابل الخطر الداهم، ويكون الحوار ضرورة حياتية تفرض علينا عدم الاستعلاء على الآخر، والحوار عادة بين النخب وأصحاب المسؤوليات، والمهم أن تكون هذه النخب قادرة على نقل مفاهيم الحوار إلى جماهيرها، وهنا نحتاج إلى أناس لهم مصداقية عند أتباعهم أو جماهيرهم يؤمنون بقوة الحوار، ويستشعرون الخطر، فيجب أن نركز على:
- بناء منظومة أخلاقية تعظم الإنسان.
- نشر العقلانية والحكمة.
- مكافحة الجهل.
- إيجاد فرص تعاون مشتركة بين شعوبنا على مستويات مختلفة (ثقافية، اقتصادية، اجتماعية ) فإن التقارب نفسه يخفف من التطرف.
- وضع قانون دولي لمحاسبة وتجريم الأفراد أو الدول الداعمة للإرهاب.
المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف تمتلك مخزوناً من التجارب المهمة التي تعبر عن التصدي الديني لحفظ الإنسان وصيانة كرامته على مدى تاريخها، ومن هنا ندعو الباحثين لدراسة هذه المدرسة الضاربة في جذور التاريخ والمتفاعلة مع الواقع.
ومما يذكر أن هذا المؤتمر جاء بناءاً على الحاجة لمتابعة الحقوق الأساسية للإنسان كحرية الفكر والدين والضمير، وما هو التصور لنظام يحقق العدالة ويعكس المفاهيم الدينيّة، وهل يمكن اعتماد نظام يرتكز على أسس تنسجم مع القيم الدينيّة ومعايير حقوق الإنسان محتوية الدين والحرية؟ هل ثقافة التسامح هي المقبولة؟