بدعوة من رئيس اللجنة الوزارية لحقوق الإنسان في وزارة الخارجية والتعاون العالمي في روما شارك رئيس مركز الحكمة للحوار والتعاون سماحة العلامة السيد صالح الحكيم في مؤتمر حول حرية الضمير والفكر والدين بتاريخ 18-19/9/2015.
وقد شارك سماحته ضمن 30 شخصية من دول مختلفة مثّلت منظمات ومؤسسات فكرية وأكاديمية وإنسانية.
وقد تحدث السيد العلامة في المحور الاول ( حرية الفكر والدين والتعبير ) بمسألتين:
الأولى حول حرية الفكر وقد جاء فيها:
حرية الفكر هي السبيل الأمثل للوصول إلى الحقيقة والإنسان بفطرته يمتلك فكراً جوالاً حراً يرفض القيود، والخلل الذي يفسد الفطرة حين يُغذّى الإنسان بأفكار تخالف طبعه، بعملية غسيل المخ التي هي نتاج عمليّة تربويّة ترويضيّة تقود إلى التحجر ورفض الاخر، فيبدأ برؤية الأشياء على غير حقيقتها.
أما الكوابح الثقافية التي تقف ضدّ تحجير الفكر هي:
1- الرابطة الإنسانية: إشاعة فكرة الأمة الإنسانية، وأن رابطة الإنسانية هي الاقوى، وكل تمييز في الانتماء البشري هو وهمٌ (كلّكم لآدم وآدم من تراب)، ولا فرق بين جرح إنساني وجرح إنساني آخر، وفي هذه النقطة يلعب رجال الدين دوراً أكبر.
2- المصير المشترك: وهو يفرض علينا التعايش السلمي وقبول الآخر، روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله أنّه قَالَ: “مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعاً).
3- الحوار: فلا سبيل إلى العيش المشترك إلا بالحوار، وقبول التنوع، فيقول القرآن (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) القران الكريم، ويقول الإمام علي (ع): (الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق)، وإننا مهما بلغنا من العلم فهو محدود وبحاجة للآخر (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) القران الكريم.
4- البحث عن الحقيقة: فإشاعة روح البحث عن الحقيقة، وكأن الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان هي ضالته المفقودة التي يبحث عنها، (الحكمة ضالة المؤمن).
5- ترك التعصب الديني: نحتاج إلى حمل روح الأديان، فكل الأديان ترى أن العبودية لله (المطلق) غير المحدود، تحرر الإنسان من عبوديّة الذات أو عبوديّة غير الله التي هي في واقعها تشكل قيد لحريّة الفكر، وإن الخطر في الدين هو أن تتحول العبودية لرجال الدين وهذه طامّة كبرى.
أما المسألة الثانية في المحور الأول جاءت بعنوان “الوضع في الشرق الاوسط” إذ أشار سماحته إلى الوضع بمجموعة من النقاط وهي:
- النظام الدكتاتوري في منطقتنا أحد أهم العوامل التي منعت الحريات، وهيأت الأرضية المناسبة لنمو التطرف، وقتل روح المواطنة، لأن الشعب يعتبر الوطن ملك للدكتاتور، وقتل روح التعاون ومساعدة الآخر يمنع التعدديّة الثقافية وتحجيم الحريات العامة.
- استغلال الروح الدينيّة لاسيما وأن الشعوب تحترم القيم الدينيّة وخصوصاً في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وساعد على ذلك الفقر والعوز والكبت، وانعدام الحريات في بعض البلدان كمصر وتونس وباكستان.
- الدعم غير المدروس للدكتاتوريات المتبنيّة والداعمة للتطرف والإرهاب، والإبادة الجماعية من أجل إيجاد عدو جديد بعد الشيوعية وهو الإسلام، ونجحت أول تجربة دعموها في الجزائر لصناعة كتل بشرية لا تعرف إلا الحقد والكراهية ولا تتقن إلا القتل، نحن كبشر نعاني من كارثة.
أما بعض المعالجات التي قد تنفع في تخفيف آثار هذا المرض القاتل هي:
- إبعاد الدين عن الاستغلال السياسي.
- دعم الحوار الإنساني لتعزيز التعايش البشري، وبالخصوص في البلدان التي ينتشر فيها التطرف.
- دعم ثقافة المشتركات الإنسانية والمصير الواحد للبشر.
- تطهير المناهج الدراسية من ثقافة التطهير العنصري والديني السائدة في بعض البلدان.
- قطع منابع الإرهاب الفكرية واللوجستية.
وفي المحور الثاني (اتجاهات الحوار الديني الحقيقي الشامل و التطبيقات الناجحة لنشر ودعم ثقافة التسامح)
تحدث سماحة السيد صالح الحكيم حول الحوار الديني إذ قال في كلمته: الحوار الديني: يعني حوار رجالات الدين حول الجوانب العقائدية من أجل الوصول إلى مشتركات تحجم الخلافات الفكرية الدينيّة، ونحن نعتقد أن أهمية هذا النوع من الحوار أقل بكثير من الحوار الإنساني العام.
الحوار المنتج هو حوار الإنسانية المدني الذي يشمل رجال الدين وغيرهم بعنوانهم أعضاء في الأسرة الإنسانية، وهنا تدخل الثقافة الدينيّة والتجارب الإنسانية للتفاعل من أجل تجذير المشتركات الفكرية، والحوار الناجح المنتج هو الحوار النابع من القناعة والإيمان، حيث تجد تلك المجاميع البشرية نفسها ومستقبلها في التقارب مع الآخر، والحاجة بتداخل مصالحها ووحدة المخاطر التي تواجهها، اليوم العالم على معسكرين، الذين يؤمنون بالحرية للجميع، ومعسكر يؤمن بالكراهية والإقصاء والتكفير والعنصرية، ويمكن أن يقال أن أصحاب الكراهية هم أقلية، نعم ولكن مجنون واحد يستطيع أن يعطل مئات من الناس.
كلمة السيد صالح الحكيم في مؤتمر ايطاليا حول حرية الضمير والفكر والدين.pdf